التسليم: بوابة الدخول الى السلام في عصر السرعة

في عصرنا الجميل هذا، الذي نعيشه وسط ضوضاء الحياة وضغوطاتها، سنجد ان كل واحد فينا يبحث عن ترياق يريح قلبه وعقله. وهنا نجد مفهوم التسليم، الذي يفهم بطريقة خاطئة في غالب الاحيان فيراه الناس على انه ضعف أو استسلام. لكن في الحقيقة يعد التسليم من أعلى درجات القوة الداخلية والسلام النفسي.

طريق التسليم
طريق التسليم

ولفهم الموضوع أكثر سنناقش في هذا المقال مفهوم التسليم وذلك بالتحدث اهميته وكيفية الوصول اليه بخطوات بسيطة.

مفهوم التسليم وكيفية الوصول اليه

التسليم لا يعني التوقف عن المحاولة، بل على العكس فهو يعني ان تبذل ما في وسعك وان تترك النتيجة لمشيئة الخالق الذي يسير مجرى الكون والحياة بدقة لا متناهية.

وبالتالي التسليم هوان تعترف أنك لست المتحكم بكل شيء في حياتك، وهذا ليس ضعف، بل إدراك قوي وحدود واعية بين ما تستطيع التحكم به وما هو خارج سيطرتك. وعندما تصل الى هذه المرحلة ستحس بالسلام داخلي والراحة النفسية التي كنت تبحث عنها.

الفرق بين التسليم والاستسلام

الفرق بين الشخص الذي يسلّم والشخص اللي يستسلم هو النية والطريقة. فالشخص
الذي يسلّم سيستمر في العمل والمحاولة لكن من غير توتر ولا تعلق بالنتيجة. لكن على العكس من ذلك الشخص المستسلم سيتوقف عن المحاولة من الأساس ويترك نفسه للظروف.

التسليم الحقيقي هو قوة داخلية. تتطلب شجاعة لكي تتوقف عن محاولة السيطرة على ظروف واحداث حياتك وتترك ما هو خارج سيطرتك. ولكن مع الوقت ستلاحظ ان هذا سيعطيك راحة ومرونة في التعامل مع الحياة، وهذا سر من أسرار التوازن النفسي.

اهمية التسليم في حياتنا اليومية

في زمن كله توتر وضغط نفسي، يعد التسليم مهارة أساسية للعيش بسلام ومعرفة التعامل مع الحياة من دون انهيار او تعب انت في غنى عنه. ومن الامور التي يمكن ان يساعدنا بها التسليم يمكن ان نذكر:
  • التقليل من القلق والتفكير الزائد في أمور ليس لها حل
  • يمنحك راحة البال والتوازن النفسي في وسط زحمة الحياة
  •  يدفعك الى التركيز على الأشياء التي بإمكانك تغييرها فعلا
  • يساعدك على تقبّل الخسارة والمواقف الصعبة بدون جلد الذات
  • يعزز ثقتك بنفسك وينمي ادراكك بانك لا تستطيع السيطرة على كل شيء.
  • يدفعك للعيش في اللحظة بدل العيش في الخوف من المستقبل.
ملاحظة: من المهم تفهم ان التسليم لا يعني التوقف عن المحاولة، بل على العكس، فهو يتطلب منك ان تحاول وتترك الباقي لخالق الكون وانت قلبك مطمئن ومرتاح.

كيفية الوصول الى التسليم

للوصول الى حالة التسليم، يجب عليك اتباع خطوات عملية تساعدك على تغيير طريقة تفكيرك وتعاملاتك مع الحياة، من دون ان تحس أنك تستسلم أو تتهرّب من المسؤولية.
  1. امنح نفسك لحظة لتهدأ وتتنفّس بعمق قبل ان ترد على أي ظرف مفاجئ.
  2. ركّز على الاشياء التي تستطيع التحكم بها واترك الباقي يمشي بطبيعته.
  3. تعلم ان تقول "أنا فعلت ما بي وسعي والباقي في يد الله" من قلبك وليس فقط كلام.
  4. مارس التأمل أو الصلاة يوميًا لكي تربط قلبك بخالقك الذي هو أكبر منك.
  5. فضفض أو اكتب أفكارك السلبية لكي تفرّغها بدل كتمها داخلك.
  6. فكّر في كل موقف مر بسلام رغم عدم سيطرتك عليه، وتعلّم منه.
ملاحظة :لن تصل الى التسليم بين يوم وليلة، بل هو عادة عقل وقلب يجب ان تمرن نفسك عليها مع الوقت، وحينها ستحس بالفرق الكبير في نفسك وحياتك.

حدود التسليم الصحية

التسليم عملية مهمة تمنح راحة نفسية كبيرة، لكن وكما نتعامل مع أي شيء مهم في حياتنا، يجب ان نضع له حدود واضحة. لأنه عندما يزيد التسليم عن حده، يمكن ان يتحول الى هروب أو كسل ويأثر عليك بطريقة سلبية. وكمثال عن ذلك يمكن ان نذكر:
  • لا يجب ان تسلّم في الأمور التي تتطلب منك ان تتحرك وتغيرها بنفسك
  • يجب ان تفرّق بين التسليم لمشيئة الله تعالى وبين التخلّي عن المسؤولية
  • لا تسلّم في علاقات مؤذية، وتذكر دائما أنك تستحق الأفضل
  • التسليم لا يعني أنك تسكت دائمًا، بل تذكران هناك وقت يجب ان تستعمل فيه كلمة لا
  • راقب نفسك، فاذا لاحظت ان التسليم جعل منك انسان منطوي ومنعزل، اذن هناك شيء خاطئ
  • كن مرن، لاكن بطريقة واعية، لان هناك مواقف تحتاج الى القوة و ليس الصمت
ملاحظة :التوازن هو المفتاح، لأن التسليم الحقيقي لا يعني ان تتوقف عن العيش أو تحاول، إنما معناه ان تعيش مرتاح وانت تعمل وتواجه، لكن من غير تعلق أو توتر زائد

خلاصة: في النهاية يمكن ان نقول ان التسليم ليس هروب من الواقع ولا ضعف، بل هو فن يعلمك ان تتصرف بذكاء، يعلمك ان تكون على دراية بمتى يجب ان تحاول، ومتى يجب ان تترك الامور تمشي حسب إرادة الخالق.
التسليم يريح القلب، ويجعل العقل يركز على الامور التي يجب تغييرها وفقط. لذلك جرّب ان تمشي على خطوات التسليم، وستلاحظ الفرق الكبير الذي سيتجلى في حياتك ونفسيتك مع الوقت.

تعليقات