من منا لا يعرف الوسواس القهري، فهو من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا وتأثيرًا على جودة حياة الأفراد، ويعرف بتسببه في تكرار أفكار مزعجة وسلوكيات قهرية يصعب التحكم بها. حيث يمر المصاب بصراع داخلي دائم بين رغبته في التجاهل وبين الحاجة الملحّة لتنفيذ تلك السلوكيات. ومع مرور الوقت، قد يؤثر هذا الاضطراب على العلاقات، العمل، وحتى راحة البال.
![]() |
الوسواس القهري |
في هذا المقال، سوف نتكلم أكثر عن الوسواس القهري، من تعريفه وأسبابه، إلى الأعراض اللي تظهر على المصاب. وكذلك سوف نتكلم عن مجموعة من النصائح العملية التي قد تساعد في التعامل معه بطريقة صحية.
مفهوم الوسواس القهري
يعرف الوسواس القهري بانه اضطراب نفسي يتسبب في تكرار أفكار غير مرغوب فيها تُعرف بالوساوس، وتدفع الشخص للقيام بسلوكيات معينة بشكل قهري لتقليل القلق الناتج عنها. يعرف المصاب غالبًا ان أفكاره غير منطقية، لكنه يحس انه مجبر على التجاوب معها. وكمثال على هذه السلوكيات يمكن ان نذكر التحقق المتكرر من شيء ما أو التنظيف المبالغ فيه. ومع الوقت، تبدأ هذه السلوكيات بالسيطرة على حياته اليومية.قد يخلط البعض بين الوسواس القهري والتوتر العادي، الا ان هذا الأخير هو شعور طبيعي يمر فيه أي شخص خلال ضغط معين أو موقف صعب، وغالبًا يكون مؤقت ويختفي بزوال السبب. بعكس الوسواس القهري الذي يستمر لفترات طويلة ويؤثر على قرارات وتصرفات الشخص. التوتر لا يدفع الإنسان الى تكرار نفس التصرفات بشكل قهري، بعكس الوسواس الذي يربط الراحة النفسية بتكرار سلوك معين، وهنا يكمن الفرق الجوهري بينهما.
أسباب الوسواس القهري
يحدث الوسواس القهري نتيجة تفاعل معقد بين عوامل متعددة نفسية وبيولوجية وبيئية، وقد تختلف من شخص لآخر، لكن في كثير من الحالات تكون الأسباب مشتركة ومتكررة بشكل واضح. وسنذكر هنا اهمها:- عوامل وراثية: وجود تاريخ عائلي للوسواس القهري يزيد من احتمال الإصابة به.
- اختلال كيمياء الدماغ: خاصة في مستويات السيروتونين، قد يكون له دور في ظهور الأعراض.
- الضغوط النفسية القوية: مثل التعرض لصدمات أو مواقف مؤلمة في الطفولة أو لاحقًا.
- البيئة المحيطة: التربية الصارمة قد تضاعف من مشاعرالخوف والقلق لدى الطفل مما قد يساهم في تطور الاضطراب لديه و الذي يمكن ان يرافقه حتى في الكبر.
- السمات الشخصية: مثل الحساسية الزائدة أو حب الكمال الزائد، قد تكون من العوامل المؤثرة.
اعراض الوسواس القهري
تختلف أعراض الوسواس القهري من شخص لآخر، لكنها تتشارك في تكرار الأفكار المزعجة والرغبة القهرية في تنفيذ سلوكيات معيّنة لتخفيف التوتر، وسنذكر هنا اهم الاعراض:- أفكار وسواسية متكررة: مثل الخوف من التلوث، الشك المستمر، أو أفكار عدوانية او مخيفة ومزعجة.
- سلوكيات قهرية: كغسل اليدين بشكل مبالغ فيه، التحقق المتكرر من الأشياء كغلق الباب، أو ترتيب الأشياء بدقة حسب الاشكال والالوان.
- القلق والانزعاج: الإحساس بالضيق أو التوتر الشديد عند مقاومة الوساوس أو محاولة تجاهلها.
- إهدار الوقت: قضاء ساعات طويلة يوميًا في تنفيذ السلوكيات القهرية لدرجة تعيق الحياة اليومية.
- الوعي بالمشكلة دون فائدة: أغلب المصابين يدركون أن تصرفاتهم غير منطقية، لكنهم يشعرون بالعجز عن التوقف.
طرق للتعامل مع الوسواس القهري
التعامل مع الوسواس القهري ليس بالأمر السهل لكن يمكن اعتباره تحدي، فهناك طرق فعالة تساعد على التخفيف من حدته والتحكم به بشكل أفضل، وبتطبيقها باستمرار يمكن ان تحسّن من جودة حياتك بشكل واضح. وهذه بعض الطرق:- حاول عدم الاستجابة للأفكار الوسواسية فهي من أنجح أساليب العلاج السلوكي.
- قلل من المقاومة: لا تحاول ان تقاوم الافكار بعنف، بل راقبها ودعها تمر بدون تفاعل مفرط.
- اكتب أفكارك الوسواسية: فكتابتها تفقدها قوتها وتقلل من سيطرتها عليك.
- قم بعمل روتين يومي صحي: فالرياضة والنوم الكافي والتغذية وتعلم مهارة الحضور الذهني تساعد على تقوية التوازن النفسي.
- احصل على دعم متخصص: سواء من طبيب نفسي أو معالج سلوكي معتمد.
هل يمكن الشفاء التام من الوسواس القهري
يمكن لبعض الأشخاص الشفاء التام من الوسواس القهري، لكن الأغلب يجب ان يمرّ برحلة تحسّن مستمر وسيطرة أكبر على الأعراض بدلًا من اختفاءها نهائيًا. والأهم من هذا هو الالتزام بالعلاج المناسب. ومع الوقت، قد يتمكن الانسان من عيش حياة طبيعية ومستقرة.يعتبر العلاج السلوكي المعرفي والأدوية المناسبة من أنجح الوسائل للتحكم بالوسواس القهري. بالإضافة الى الدعم النفسي والتدريب على إدارة الأفكار والسلوكيات. كما يجب ان نتذكر انه كلما كان التدخل مبكر، زادت فرص التحسن بشكل أكبر.
مثال: فتاة كانت تغسل يديها أكثر من خمسين مرة في اليوم بسبب خوفها المفرط من الجراثيم، لكن في يوم قررت ان تواجه الامر وذلك بانها فكرت في الاشياء التي يمكنها ان تحدث، كانها ستمرض، ستصاب بتسمم واشياء اخرى لا يمكنها ان تحدث اصلا. واستنتجت انه مهما كان سيحدث لن يكون اسوء من فقدانها للذة ان تعيش بسلام . وبعد خضوعها للعلاج السلوكي والدعم النفسي، استطاعت خلال أشهر التقليل من الغسل لخمس مرات فقط يوميًا، واسترجعت ثقتها بنفسها، وبدأت تمارس حياتها بشكل طبيعي من جديد.
خلاصة: لا يمكن ان ننكر ان الوسواس القهري قد يكون تحديًا مرهقًا، لكنه قابل للتحكم والتعافي خصوصا إذا اخترنا العلاج والدعم المناسبين. كما ان الفهم الصحيح للأعراض والأسباب هو أول خطوة في رحلة التعافي. لذلك لا تتردد في طلب المساعدة، فالحياة تستحق أن تُعاش براحة وطمأنينة.