لابد أنك لاحظت انه عند حدوث أي مشكل في الحياة يتجه اغلبنا الى محاولة السيطرة عليه مما يزيد الامر سوءا، وهنا تظهر مهارة التسليم كضوء هادئ يعلّمنا كيف نثق في مجريات الحياة ونتقبل ما هو مكتوب بطمأنينة. كثيرون يجهلون أن التسليم ليس ضعفًا أو استسلامًا، بل هو أرقى درجات الوعي التي تُحرّر الإنسان من القلق والمقاومة، وتفتح له أبواب السلام الداخلي.
![]() |
| التسليم |
في هذه القصة، سنعيش مع رجل اكتشف مهارة التسليم بعد رحلة طويلة من الصراع والمقاومة. سنرى كيف تحوّلت حياته من فوضى وإحباط إلى وضوح وسكينة، وكيف غيّر هذا الاكتشاف نظرته لنفسه وللعالم من حوله، ليصبح مثالًا للإيمان بالقدر والثقة في توقيت الحياة الإلهي.
حكاية مصطفى
حكايتنا اليوم عن مصطفى، رجل خمسيني عرف بين الناس بذكائه وحنكته في إدارة أعماله، فقد أسس منذ سنوات شركة متخصصة في صناعة الأفرشة والأثاث، كانت من أنجح الشركات في منطقته. كان مثالًا للرجل العصامي الذي بدأ من الصفر وبنى سمعته بجهده وتعبه، مما جعله مصدر فخر لأسرته وكل من يعرفه.لكن مع مرور الوقت، بدأت الرياح تسير عكس ما اشتهى مصطفى. فبعد سنوات من الازدهار، تراجعت مبيعات الشركة بشكل مفاجئ، وتراكمت عليه الديون من كل جانب. وجد نفسه يطارد الحلول بلا جدوى، في حين كانت الضغوط تتزايد من الزبائن والموردين على حد سواء.
تدريجيًا، دخل مصطفى في دوامة من القلق والصراعات النفسية، إذ لم يعد ينام ليلًا من كثرة التفكير والخوف من الانهيار. كان يشعر أن الأرض تنسحب من تحته، وأن كل ما بناه طوال عمره يوشك على الضياع، ليبدأ بذلك مرحلة مظلمة لم يعرف لها نهاية في البداية.
العقدة: محاولات السيطرة المستمرة لا تؤدي الا الى الضغط
بدأت الضغوطات تتفاقم في حياة مصطفى بشكل غير مسبوق، فقد أصبحت الديون عبئًا يطارده في كل لحظة، ومحاولاته المستمرة للسيطرة على الوضع كانت تبوء بالفشل. كل صفقة جديدة كان يأمل أن تكون المنقذ الأخير، لكنها غالبًا ما كانت تزيد من تعقيد الأمور وتفتح بابًا آخر من القلق والخسارة.مع مرور الأيام، انعكست تلك الضغوط على علاقاته الأسرية والاجتماعية، فأصبح سريع الغضب ومتقلب المزاج. بدأ يبتعد عن أصدقائه ويغلق على نفسه باب البيت، متجنبًا أي حوار أو مواجهة. حتى أفراد أسرته لم يسلموا من توتره، إذ صار يرفض الحديث عن العمل ويعيش في صمت ثقيل يملأ أرجاء المنزل.
أما الجانب الصحي، فقد كان الأكثر تضررًا، إذ بدأت صحته النفسية والجسدية في التدهور تدريجيًا. أصيب بالأرق، وظهرت عليه أعراض القلق والاكتئاب، إلى جانب آلام متكررة في جسده لا يعرف مصدرها. شعر أن الحياة تضيق عليه، وأنه فقد السيطرة تمامًا على نفسه وعلى كل ما حوله.
نقطة التحول: بداية التغيير في حياة مصطفى
في أحد أيامه العصيبة، تلقّى مصطفى اتصالًا من البنك يُخبره بضرورة تسديد مبلغ ضخم خلال فترة قصيرة. شعر حينها أن الدنيا اسودّت في وجهه، وجلس على الأرض منهارًا لا يقوى على التفكير في شيء. ظلّ على تلك الحال لمدة عشرين دقيقة، وكأن روحه خرجت من جسده، لكن ما أدهشه هو إحساس غريب بالسكينة والراحة غمر قلبه فجأة، كأن شيئًا داخله استسلم بسلام.بعد تلك اللحظة المفصلية، قرر مصطفى أن يتوقف عن المقاومة، ويمنح نفسه فرصة للابتعاد عن كل ما يؤذيه. سافر وحيدًا إلى مكان طبيعي بعيد عن الضوضاء، عاقدًا العزم على نسيان كل شيء وترك الأمور بيد الله. هناك، وسط الهدوء والعزلة، بدأ يستعيد توازنه الداخلي ويكتشف قيمة التسليم لما هو أكبر من قدرته.
وفي اليوم الثالث من خلوته، حدث ما لم يكن في الحسبان؛ فقد خطرت له فكرة عبقرية قلبت الموازين رأسًا على عقب. قرر الاتصال بأكبر مدين له، لا ليطلب منه مهلة للتسديد، بل ليعرض عليه شراكة بنسبة معينة في الشركة. لم يتردد الرجل في الموافقة، وكانت تلك الخطوة بداية عهد جديد جعلت شركة مصطفى من أهم وأشهر شركات الأثاث في المنطقة.
الحل: رحلة مصطفى مع التسليم
بعد أن تعلّم مصطفى معنى التسليم الحقيقي للحياة، بدأ التغيير التدريجي ينساب إلى كل تفاصيل يومه بهدوء وعمق. عاد يتحدث مع أسرته بابتسامة ودفء، بعد أن كانت الصراخات والقلق تملأ أجواء البيت. صار يقضي وقتًا أطول مع أبنائه، يستمع إليهم ويشاركهم لحظاتهم البسيطة التي كان غافلًا عنها.أما في الجانب الاجتماعي، فقد بدأت علاقاته بالآخرين تتحسن بشكل ملحوظ. تواصل مجددًا مع أصدقائه القدامى الذين ابتعد عنهم في فترات توتره، وأصبح أكثر انفتاحًا وتقبّلًا للناس. لم يعد يشعر بالخوف من الفشل أو الحكم عليه، بل صار يرى في كل تجربة فرصة جديدة للتعلّم والنمو.
على الصعيد الصحي والمهني، انعكست راحته النفسية والجسدية على كل جانب من حياته. اختفت نوبات الأرق، واستعاد نشاطه وحيويته في العمل، مما جعل شركته تنمو بسرعة غير متوقعة. بفضل نظرته الجديدة وثقته بتدبير الله، تحولت شركته إلى واحدة من أبرز شركات الأثاث والأفرشة في المنطقة، وعاد إليها النجاح مضاعفًا.
الرسالة الملهمة من الحكاية
في خضم معارك الحياة، قد نعتقد أن القوة تعني السيطرة على كل شيء، لكن الحقيقة أن أعظم قوة تكمن في فن التسليم، في أن نترك للحياة مجالها لتقودنا نحو ما هو خير لنا. قصة مصطفى تعكس هذه الحقيقة بعمق، فهي دعوة لكل من أنهكته المقاومة أن يجد السلام في القبول والثقة بتدبير الله.- عندما تتعثر الطرق وتغلق الأبواب، تذكّر أن التسليم لا يعني الاستسلام، بل الإيمان بأن ما يحدث يحمل في طيّاته خيرًا خفيًا.
- التوقف عن القلق المفرط يفتح المجال للإلهام والإبداع، كما حدث مع مصطفى حين جاءت فكرته المنقذة في لحظة صفاء.
- التسليم يحرّر الإنسان من سجن الخوف ويعيد إليه طاقته، ليعيش بسلام مع نفسه ومع من يحب، ويستقبل الحياة برضا وطمأنينة.
خاتمة: في النهاية، تعلّم مصطفى أن التسليم لله ليس هروبًا من الواقع، بل طريقًا للسلام الداخلي والوضوح. فحين ترك عناده وثق بتدبير الخالق، تبدّلت حياته من فوضى إلى توازن، ومن ضيق إلى سعة. وهكذا أدرك أن التسليم هو سرّ الطمأنينة وسبب البركة في كل جانب من الحياة.
تنويه: احداث هذه القصة من وحي الخيال وهي فقط للتوضيح وتقريب الفكرة أكثر للقارئ.
.png)