الامتنان: مفتاح صغير لحياة اكثر ايجابية

 في عالمنا الجميل هذا، المليء بالضغوط اليومية وتوتر الحياة، يعتبر الامتنان كواحد من أبسط وأقوى الطرق التي يمكن تغيّر حالتك النفسية وتجعل يومك أخف. لان الامتنان ليس فقط شعور لحظي، بل هو طريقة تفكير تدفعنا للشعور بالنعم حتى في أدق التفاصيل. وبالتالي كلما درّبنا أنفسنا على الامتنان، ستتغير نظرتنا للحياة للأحسن.

مفهوم الامتنان
الامتنان

في هذا المقال، سنتكلم عن مفهوم الامتنان بشكل مبسط، وسنستعرض فوائده القوية على الصحة النفسية والجسدية. كما سنشارك بعض التمارين العملية التي قد تساعدك، وسنتكلم عن الأخطاء التي من الممكن ان تقع فيها وانت تحاول العيش بروح ممتنة.

مفهوم الامتنان

الامتنان هو شعور داخلي بالرضا والتقدير لكل ما نملكه في حياتنا، سواء اكان كبير أو بسيط. أي هو حالة ذهنية ترفع من طاقتنا الإيجابية وتدفعنا للعيش بوعي وسلام. كما ان الامتنان ليس فقط رد فعل، بل هو أسلوب حياة نختاره كل يوم.

قد يخلط اغلبنا بين الامتنان والشكر الذي يعتبر تعبير لفظي نستخدمه عندما نحس بالامتنان تجاه شخص أو موقف. فمن الممكن ان تقول "شكراً" لأي أحد، لكن هذا لا يعتبر شرط على كونك فعلاً ممتن من داخلك. أي ان الامتنان أعمق من مجرد كلمات، لأنه نابع من إحساس داخلي صادق.

ومنه يمكننا ان نقول ان الفرق بين الامتنان والشكر هو ان الشكر سلوك خارجي مؤقت، أما الامتنان فهو شعور دائم وممتد. وكذلك الامتنان يستمر حتى في حالة غياب موقف او شخص معين لنشكره، لأنه مرتبط بنظرتنا العامة للحياة. اذن كل شخص ممتن هو بالضرورة شخص شاكر، لكن العكس ليس دائمًا صحيح.

فوائد الامتنان النفسية والجسدية

لا يمكن ان نعتبر الامتنان مجرد شعور جميل نعيشه، لان لديه تأثير مباشر على صحتنا النفسية والجسدية، كما يمكنه ان يساعدنا على العيش براحة أكثر وتوازن أعمق في مختلف تفاصيل حياتنا اليومية. ومن بين هذه الفوائد يمكننا ان نذكر:
  1. الامتنان يقلل من التوتر والقلق لأنه يوجه تركيز العقل للحظات الإيجابية بدل من التفكير المستمر في الأمور السلبية.
  2. ممارسة الامتنان بشكل منتظم يحسن من شعور الإحساس بالراحة قبل النوم وبالتالي يحسن من جودة النوم.
  3. الامتنان يحفّز هرمونات السعادة مثل السيروتونين، مما يقلل من فرص الإصابة بالاكتئاب ويحسّن المزاج العام.
  4. من الناحية الجسدية، أظهرت الدراسات ان الامتنان مرتبط بانخفاض ضغط الدم وتحسّن صحة القلب.
  5. يساعد الامتنان على تقوية جهاز المناعة، لأن الحالة النفسية المستقرة تأثر بشكل مباشرة على مقاومة الجسم للأمراض.
ملاحظة: يجب ان تدرك أنك لن تلمس فوائد الامتنان بين ليلة وضحاها، بل ستكبر وتظهر مع الوقت، لهذا من المهم ممارسته بشكل يومي حتى تعيش براحة نفسية وصحة جسدية متوازنة ومستقرة على المدى البعيد.

طرق عملية لممارسة الامتنان

لا تتطلب منك ممارسة الامتنان ظروف مثالية، بل على العكس، يمكنك البدا من أبسط تفاصيل يومك. فمثلا الطرق التي سنذكرها اسفله يمكن ان تساعدك على بناء عادة يومية تقوّي بيها إحساسك بالرضا الداخلي.
  • كتابة ثلاث أشياء يوميًا أنت ممتن لوجودها في حياتك، حتى لو كانت اشياء بسيطة جدًا.
  • إرسال رسالة شكر لشخص ساعدك أو كان له أثر إيجابي في حياتك، سواء قديم أو جديد.
  • تخصيص وقت يومي للتأمل مع استحضار النِعم الموجودة في حياتك حاليًا.
  • التعبير عن امتنانك للأشياء الصغيرة خلال اليوم، مثل كوب شاي دافئ أو لحظة هدوء.
  • ممارسة "تحدي الامتنان" الأسبوعي مع صديق أو فرد من العائلة لتبادل التجارب الإيجابية.
ملاحظة: هذه الطرق لن تأخذ منك وقت كبير، لكن بالاستمرار، وجعل الامتنان عادة يومية لديك ستحس بتغييرات حقيقية في مشاعرك وطريقتك في التعامل مع الحياة.

الأخطاء التي قد ترتكبها عند ممارسة الامتنان

رغم إن الامتنان عادة مفيدة وراقية، إلا ان هناك بعض الأخطاء التي قد يرتكبها الانسان عند ممارسته لها يمكن ان تفسد مفعولها أو تحولها الى مجرد كلام بدون إحساس. ومن بين هذه الأخطاء يمكن ان نذكر:
  1. ممارسة الامتنان بشكل سطحي أو آلي بدون أي إحساس حقيقي أو تفاعل داخلي.
  2. مقارنة نِعمك بنِعم غيرك، مما يدفعك الى الاحساس بالنقص بدل الاحساس بالرضا.
  3. تجاهل مشاعرك السلبية ومحاولة تغطيتها بالامتنان، مما قد يؤدي الى كبت عاطفي.
  4. تذكر ممارسة الامتنان فقط في أوقات الرخاء وتجاهله وقت الأزمات، مع ان تأثيره يكون أفضل في اللحظات الصعبة.
  5. الضغط على النفس للشعور بالامتنان رغم التعب أو التشتت، مما قد يولّد الإحساس بالذنب.
ملاحظة: يجب ان يمارس الامتنان بوعي وتوازن، أي لا يجب اعتباره مجرد واجب أو محاولة للهروب من الواقع، لأن الامتنان الحقيقي يحصل عند قبول الحياة بحلوها ومرّها بصدق وهدوء.

علاقة الامتنان بالدين الاسلامي

شجع الإسلام على الامتنان واعتبره كجزء أساسي من الإيمان، كما ربط بين شكر لله تعالى ورضاه عن العبد. قال تعالى: "لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ"، وهذا دليل على عظمة أثر الشكر والامتنان في حياة المسلم.

كما ان النبي محمد ﷺ كان قدوة في الامتنان، فقد كان يشكر ربه في كل حال، حتى في أوقات الشدة. وكان دائمًا يوصي أصحابه بشكر الله على النِعم، وعدم التذمر مما فقدوه أو ما لم يحصلوا عليه.

شجع الإسلام كذلك على شكر الناس، لأن النبي محمد ﷺ قال: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، فالشكر سلوك يومي يعكس أخلاق المسلم ويقوي علاقاته بمن حوله.

نضرتي الشخصية لمفهوم الامتنان

حسب تجربتي المتواضعة في الحياة، يمكنني القول انه فعلاً بمقدور الامتنان ان يغيّر حياتك من جذورها لو طبقته وعشته بصدق. وكمثال يمكن ان اقول انه:

يمكن للامتنان ان يغير نظرتك لكل شيء حولك. فستلاحظ أنك بدأت بدل ان تركز على ما ينقصك، ستركز على ما تملكه حتى لو كان بسيطا، مما سيجعل قلبك أهدى ونفسيتك أريح. لأنك ستدرك أنك لست مجبرا على الركض خلف كل شيء، او كل هدف رسمه المجتمع لكي تحس بالسعادة.

كما ان الامتنان سيساعدك على جذب أشياء ايجابية لحياتك لأن طاقتك ستتغيّر، لتصبح أكتر إيجابية. وبالتالي ستلاحظ ان علاقاتك تتحسن، صحتك النفسية ترتاح، وحتى جسمك يتفاعل مع كل هذا بطريقة إيجابية.

يعني ببساطة، الامتنان لن يغير فقط يومك، بل سيغيّر طريقتك في العيش والحب والتفكير.

خلاصة: الامتنان هو مفتاح الراحة النفسية والتوازن الداخلي، وممارسته ستجعلنا نعيش بوعي وسلام. وذلك ان فهمنا معناه، فوائده، وطرق تطبيقه بشكل عملي ويومي.

تعليقات