عقلية الندرة – كيف تبنينا عقلية الندرة دون وعي؟

 لابد أنك لاحظت اننا نعيش أحيانًا في دائرة لا تنتهي من الخوف من النقص وفقدان ما نملك، دون أن ندرك أن السبب الحقيقي يكمن في عقلية الندرة. هذه العقلية تجعلنا نشعر بأن الموارد محدودة، وأن الفرص نادرة، وأن النجاح لا يتسع للجميع، فنقع في فخ المقارنة والقلق المستمر من المستقبل.

عقلية الندرة
عقلية الندرة

في هذا المقال سنكشف كيف تبنّينا عقلية الندرة دون وعي، وكيف تتغلغل في طريقة تفكيرنا وسلوكنا اليومي، كما سنتعرف الأسباب الخفية التي تغذيها في داخلنا، لنختم بخطوات عملية تساعدك على التحرر منها وبناء عقلية الوفرة التي تفتح أمامك أبواب الثقة والازدهار.

مفهوم عقلية الندرة

تشير عقلية الندرة إلى طريقة تفكير ترى العالم من منظور النقص والخوف، حيث يعتقد الشخص أن الموارد محدودة، وأن النجاح أو السعادة لا يمكن أن تكفي الجميع. يعيش من يتبنى هذه العقلية في توتر دائم، خائفًا من فقدان ما لديه أو من تفوق الآخرين عليه.

في المقابل، تقوم عقلية الوفرة على الإيمان بأن الحياة مليئة بالفرص، وأن الخير متاح للجميع دون استثناء. يرى أصحاب هذه العقلية أن النجاح لا ينتقص من أحد، بل يمكن أن يتسع ليشمل الجميع، مما يمنحهم طاقة إيجابية وثقة في المستقبل.

اما الفرق الجوهري بين عقلية الندرة وعقلية الوفرة يكمن في النظرة الداخلية للواقع؛ فالأولى تنبع من الخوف والقلق، بينما الثانية تنبثق من الإيمان والامتنان. وعندما يتحول الإنسان من عقلية الندرة إلى الوفرة، يبدأ فعليًا في تغيير واقعه نحو مزيد من الازدهار والسلام الداخلي.

الأسباب التي دفعتنا الى تبني عقلية الندرة

التنشئة الاجتماعية والمعتقدات الموروثة: ننشأ منذ الصغر ونحن نسمع عبارات تبدو بريئة لكنها تزرع فينا جذور عقلية الندرة دون وعي، إذ يربط الأهل غالبًا بين القيمة الذاتية والنجاح المادي أو الدراسي، مما يجعل الطفل يشعر أن ما يملكه لا يكفي أبدًا. وعندما يسمع الطفل عبارات مثل “احذر أن تخسر كل شيء” أو “المال لا يأتي بسهولة”، يترسخ داخله الخوف من الفقد والنقص منذ الصغر.

الخوف من الفشل والمقارنة المستمرة بالآخرين: حيث تُغذّي وسائل التواصل الاجتماعي هذا الشعور أكثر من أي وقت مضى. فمع كل صورة مثالية يراها الإنسان، يتسلل إليه إحساس خفي بأن الآخرين يملكون ما ينقصه هو، فيعيش في دائرة مقارنة لا تنتهي. وهكذا، تتحول المقارنة إلى عادة ذهنية تعزّز عقلية الندرة وتضعف الثقة بالذات.

النظام الاقتصادي والثقافة الاستهلاكية الحديثة: كلها جعلتنا نعتقد أن قيمتنا تُقاس بما نملك، لا بما نحن عليه. فالشعارات التي ترسخ فكرة “اشترِ لتكون أفضل” تدفعنا لاستهلاك لا ينتهي، مما يخلق شعورًا دائمًا بعدم الكفاية. وهكذا، يصبح الإنسان أسيرًا لفكرة أن السعادة في المزيد، دون أن يدرك أنه يبتعد أكثر عن الوفرة الحقيقية الكامنة بداخله.

كيف تأثر عقلية الندرة على جودة الحياة؟

ان أمعنا في التفكير سنصنف عقلية الندرة كأكثر أنماط التفكير التي تُقيد الإنسان وتحدّ من قدرته على النمو والازدهار، فهي تزرع بداخله شعورًا دائمًا بعدم الكفاية، وتجعله يرى العالم كمكان مليء بالمنافسة والخوف بدلاً من الفرص والإمكانات اللامحدودة. تؤثر هذه العقلية على كل جانب من جوانب الحياة، من العلاقات إلى العمل وحتى الصحة النفسية. وكمثال يمكن ان نذكر:
  1. على المستوى النفسي: يعيش صاحب عقلية الندرة في دوامة من القلق والخوف من فقدان ما يملك، فيفقد إحساسه بالطمأنينة والرضا.
  2. على المستوى الاجتماعي: تُضعف عقلية الندرة الثقة بين الناس وتغذي الغيرة والمقارنة، مما يؤدي إلى علاقات سطحية وغير مستقرة.
  3. على المستوى المهني: تمنع الفرد من الإبداع والمجازفة، لأنه يخشى الخسارة أكثر مما يسعى إلى النجاح، فيبقى عالقًا في منطقة الراحة.
  4. على المستوى المالي: تدفع هذه العقلية الإنسان إلى التمسك المفرط بالمال أو إنفاقه بدافع الخوف، بدل استخدامه كوسيلة للنمو والوفرة.
ملاحظة: يجب علينا إدراك أن التخلص من عقلية الندرة لا يتم فجأة، بل يبدأ بالوعي والتدرّب على رؤية الخير المتاح من حولنا. فكلما غيّر الإنسان نظرته نحو الوفرة، تغيّر واقعه نحو السلام الداخلي والازدهار الحقيقي.

كيف تتحرر من عقلية الندرة وتبني عقلية الوفرة؟

طبعا ومما لا شك فيه ان التحرر من عقلية الندرة هو خطوة جوهرية نحو حياة مليئة بالسلام والثقة والوفرة. فالتغيير لا يبدأ من الظروف الخارجية، بل من داخل الفكر والمعتقدات التي نحملها عن أنفسنا وعن العالم. حين ندرك أننا نحن من نصنع واقعنا عبر أفكارنا ومشاعرنا، يصبح الانتقال إلى عقلية الوفرة أمرًا ممكنًا وواقعيًا. وهذه بعض الطرق التي قد تساعد في ذلك:
  • ابدأ بالوعي الذاتي: لاحظ أفكارك اليومية، وانتبه لكل مرة تقول فيها “ليس لدي ما يكفي”، وحاول استبدالها بعبارات إيجابية مثل “كل ما أحتاجه يأتي في وقته”.
  • مارس الامتنان بانتظام: سجّل يوميًا ثلاثة أمور تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك، فهذه العادة تعيد برمجة الدماغ نحو رؤية الوفرة.
  • غيّر محيطك الداخلي والخارجي: أحط نفسك بأشخاص إيجابيين يؤمنون بالوفرة، وابتعد عن مصادر الخوف والنقص.
  • تعلّم العطاء دون خوف: شارك الآخرين مما تملك، سواء كان وقتًا أو دعمًا أو مالًا، فالعطاء يفتح باب التدفق ويقوّي الشعور بالثراء الداخلي.
ملاحظة: إن الانتقال من عقلية الندرة إلى عقلية الوفرة ليس مجرد تمرين ذهني، بل رحلة وعي متكاملة تتطلب الصبر والممارسة اليومية، ومع مرور الوقت سيكتشف الإنسان أن الوفرة كانت بداخله منذ البداية وليست خارجَه.

نظرة الإسلام لعقلية الندرة

يرتبط مفهوم عقلية الندرة ارتباطًا وثيقًا بالجانب الإيماني في الإسلام، فالدين الحنيف يدعو الإنسان إلى الثقة بالله والإيمان بأن الرزق بيده وحده، لا بيد الناس أو الظروف. يقول الله تعالى: “وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها”، وهي آية تزرع في القلب يقينًا بالوفرة الإلهية وتحرّر النفس من الخوف من النقص.

فالشيطان، كما أخبرنا الله في كتابه، “يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء”، أي أنه يريدك فقيرًا في المال والنفس، خائفًا من العطاء، بخيلًا في الخير. بينما الله سبحانه يعدك بالمغفرة والفضل، ويحثك على الإنفاق والعطاء، لأن من يعطي لا ينقص ماله، بل يزداد بركة وسعة.

ومن يتأمل يجد أن عقلية الندرة هي فكر شيطاني يقيّد الإنسان، بينما عقلية الوفرة هي منهج إيماني يعكس الثقة بالله والرضا بقدره. فالله يريدك غنيًا باليقين، كريمًا بالعطاء، مطمئنًا بالرزق، لتعيش في طمأنينة ووفرة حقيقية، والسؤال الذي يبقى هو: من تصدق، وعد الشيطان أم وعد الرحمن؟

خلاصة: في الختام يمكننا القول ان عقلية الندرة ليست سوى وهمٍ ذهني يحدّ من قدراتنا ويقيد سعادتنا، بينما الحقيقة تكمن في أن الوفرة تحيط بنا من كل جانب. وعندما نغيّر نظرتنا للحياة من الخوف إلى الثقة، ومن النقص إلى الامتنان، نبدأ في خلق واقعٍ جديد مليء بالطمأنينة والازدهار.

 

 

تعليقات