القيمة الذاتية، كيفية فك ارتباطها باراء الاخرين للوصول الى قوتك الحقيقية

 كل إنسان يتكوّن داخله تصور معين عن نفسه، عن مكانته، وقدراته، وحتى مدى استحقاقه للسعادة والنجاح، وهذا التصور يُعرف  بالقيمة الذاتية. وهي ببساطة تصورك عن نفسك من الداخل، بغض النظر عن رأي الناس أو الظروف. ولكن المشكلة تبدأ عندما يكون هذا التصور مبني على عوامل خارجية وضعيفة الأساس.

القيمة الذاتية
القيمة الذاتية

في هذا المقال، سوف نتكلم عن مفهوم القيمة الذاتية، ونفهم كيف تتكون لدى الإنسان، كما سنتكلم عن العوامل النفسية والاجتماعية اللي تأثر على نظرتنا لذاتنا، وسنوضح كيف يمكن ان نعيد بناء قيمة ذاتية صحية وقوية تنبع من داخلنا، وليس حسب راي الاخر.

مفهوم القيمة الذاتية

القيمة الذاتية هي الطريقة التي يرى الانسان بها الإنسان بها نفسه من الداخل، ويقيّم فيها استحقاقه للحب، الاحترام، والنجاح. وهي في الحقيقة غير مرتبطة بإنجازات خارجية أو آراء الآخرين، بل نابعة من الإحساس العميق بالذات. وكل ما كانت نظرتك لنفسك صحية، كل ما زادت ثقتك وقدرتك على المواجهة.

تتكون القيمة الذاتية لدى الانسان منذ طفولته، وذلك حسب طريقة تعامل الأهل والمجتمع معه آنذاك، وحسب كلمات التشجيع أو النقد اللي يسمعها. فلما يحس الطفل إنه محبوب ومقبول مهما كانت حالته، تتكون داخله قيمة ذاتية قوية. أما النقد المستمر أو الإهمال، فيغرس داخله شعور بعدم الكفاية.

مع الوقت، تتأثر القيمة الذاتية للإنسان بسبب تجارب الحياة، كالعلاقات التي يدخلها، الدراسة، العمل، وحتى مواقع التواصل. فإذا لم يكن لدى الإنسان وعي كافي، فمن الممكن ان يبني قيمته على رضا الآخرين أو الإنجازات، وهذا ما يضعفه من الداخل. لكن عندما يفهم نفسه ويعرف قيمته بعيدًا عن الخارج، هنا تبدأ رحلته الحقيقية.

لماذا نربط قيمتنا الداخلية بآراء الاخرين؟

انا افهم احتياج كل واحد فينا لان يكون محبوبا ومقبولا من الاخر، ففي الأخير هو احتياج بشري لدينا، لكن ان لم نكن اذكياء في التحكم وتوجيه هذا الاحتياج، سيأثر هذا بشكل كبير على نظرتنا لأنفسنا، ويضعف ثقتنا الداخلية مع الوقت. وهذه بعض الاسباب:
  1. التربية المبنية على المقارنة والمدح المشروط تزرع الاعتماد على رأي الاخر.
  2. الخوف من الرفض الاجتماعي يدفع الشخص الى السعي للقبول من الاخر بأي شكل.
  3. أدوات التواصل الاجتماعي جعلت التقييم الخارجي عادة يومية ومصدر قيمة للذات.
  4. غياب الوعي الذاتي يجعل الشخص يصدق كل رأي يقال عنه حتى لو كان سلبي.
  5. ربط النجاح والانجاز برد فعل الناس يغذي شعور ان قيمتنا تحتاج دائما الى إثبات.
ملاحظة: ربط القيمة الذاتية برأي الآخرين يقلل من استقلاليتك النفسية، لذا يجب ان تكون واعيا بان قيمتك الحقيقية تبدأ من نظرتك لنفسك، وليس من نظرة الناس لك.

علامات ربط القيمة الذاتية بآراء الآخرين

ربط القيمة الذاتية بآراء الآخرين قد يقودك الى العيش في دائرة من القلق والتردد، حيث ستحس أنك لا تساوي شيء من دون قبول وتأكيد من الخارج. أي أنك ستنتظر دائمًا رضا الناس لكي تحس أنك ناجح أو محبوب. وهذه بعض العلامات:
  • تغضب من أي نقد بسيط وتأخذه بشكل شخصي جدًا.
  • تغير من تصرفاتك أو شخصيتك فقط لكي تنال إعجاب الآخرين.
  • تقارن نفسك بالناس بشكل مستمر وتحس أنك دائما أقل منهم.
  • تخاف من ان تفشل او تخطئ امام الاخرين لأنك تربط الفشل بانعدام قيمتك.
ملاحظة: لو لاحظت هذه العلامات لديك، فاعلم ان الوقت قد حان لتفصل قيمتك الذاتية عن رأي الناس، لأن تقديرك لذاتك يجب ان ينبع من داخلك وليس من تصفيق خارجي.

كيف تفك ارتباط قيمتك الذاتية بآراء الاخرين؟

فك ارتباط القيمة الذاتية بآراء الآخرين يحتاج وعي وتدريب مستمر، لأنك طول حياتك كنت تتبرمج على ان رأي الناس هو المقياس الحقيقي لقيمتك. ولكن هذا لا يعني أنك لن تستطيع فك هذا الارتباط، وهذه بعض الطرق:
  1. اعترف أنك كنت تربط قيمتك بنظرة الناس، وابدأ في مراقبة متى وكيف يصير هذا لديك.
  2. درب نفسك على قول كلام إيجابي لنفسك من دون ان تنتظر مدح من أحد.
  3. حدد قيمك وأهدافك الخاصة التي لا تعتمد على تقييم خارجي.
  4. قلّل تواجدك في البيئات أو العلاقات اللي تركز على الاحكام والمقارنة.
  5. ذكّر نفسك دائماً أنك بشر، تخطئ وتتعلم، وهذا لا ينقص من قيمتك.
ملاحظة: قيمتك لا تقاس بعدد الاعجابات على وسائل التواصل أو مدى رضا الناس عنك، لأن القيمة الذاتية الحقيقية تبدأ من الداخل، وكل ما كانت نابعة منك، صرت أهدى وأقوى وأكثر حرية.

طرق عملية لتعزيز القيمة الذاتية

تعزيز القيمة الذاتية ليس كلام نظري فقط، بل هو ممارسة يومية تحتاج خطوات بسيطة لكنها مؤثرة، ولكي تنجح في اعادة برمجة نظرتك لنفسك بشكل صحي ومستقل عن آراء الآخرين. يمكنك اتباع الخطوات التالية:
  • اكتب كل يوم ثلاثة أشياء تحبها في نفسك، وراجعها بصوت مرتفع امام المرات.
  • مارس التوكيدات الإيجابية مثل: "أنا أستحق الحب، أنا كافي كما أنا".
  • خصص وقت كل أسبوع لإنجاز شخصي، حتى لو كان بسيط، واحتفل به.
  • تعلّم قول "لا" من غيران تشعر بالذنب، وحدد حدودك الشخصية.
  • أحط نفسك بأشخاص يرفعونك بدل ان يحبطوك أو يشككون فيك.
ملاحظة: ممارسة هذه التمارين بانتظام قد يساعدك على تبني قيمة ذاتية حقيقية، نابعة من داخلك، وتذكّر إن كل خطوة صغيرة تثبت بها لنفسك أنك تستحق الأفضل.

خلاصة: القيمة الذاتية لا يجب ان تكون لعبة بيد غيرك. وكلما بدأت في فهم وحب ذاتك واعطائها حقها من دون ان تنتظر إعجابا او قبولا من أحد، ستصل الى حريتك النفسية وقوتك الحقيقية. وتذكر دائمًا ان قيمتك ليست رأي، بل قيمتك حقيقة، وانت المسؤول عنها.



 



تعليقات